جريدة الأخبار – الأربعاء 25 يونيو
2008 العدالة ...والثانوية العامة
حادث تسريب امتحانات الثانوية العامة فى المنيا هو كارثة ومهزلة أخرى فى مسلسل ما نشاهده فى المجتمع المصري فى الفترة الأخيرة ، وما هو مثير للاشمئزاز والاستفزاز أن يصل التسيب والانهيار والفساد إلى امتحان الثانوية العامة. والغضب العام - الذي يحس ويشعر به المصريين - هو انعكاس لتجاوز مشاهد الفساد إلى ما كان من المحرمات.
فكرة الثانوية العامة – لمن ابتكرها – تستند إلى مفهوم تحقيق العدالة . وقياس المجتمع لهذا هو عن طريق امتحان عام يتقدم له – بتكافؤ – كل طلبة المرحلة بامتحان واحد فى وقت واحد يتم تصحيحه بمعايير محددة لكل سؤال ولكل عنصر فى السؤال . ويعقد الامتحان مرة واحدة فى العام يتقدم له الطلبة ويتم التصحيح والمراجعة ثم الإعلان والنتيجة والتي تستخدم تالياً لذلك فى التقدم للجامعات أو فى الإعادة مرة أخرى لامتحان الثانوية العامة . والمبتكر لهذا الامتحان أفترض ضرورة وأهمية تحقيق التكافؤ والعدالة فلا فرق بين الغنى والفقير وبين صاحب الجاه والمهمش فى الحياة ، ومع الزمن أصبحت الثانوية العامة الكابوس القومي السنوي ... وتفنن المبدعون فى التعديل والتغيير إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من نظام هو فريد بالمصريين مقارنة بكل نظم التحول الدراسي من المدارس إلى الجامعات التي يعرفها العالم المتقدم .
وتساؤل كثير من المصريين والكتاب والمفكرين ؟ هل سيتم التعامل مع حادث تسريب امتحانات الثانوية العامة فى المنيا مثل ما سبق من حوادث مثل غرق العبارة وحادث قطار الصعيد وغيرها وتقيد ضد مجهول أو ضد الأضعف ؟ مثل هذه الحوادث هى جريمة فرد وجريمة مجتمع . أما تحديد الفاعل وشركاه فأن القانون والقواعد تقتضى انتظار نتائج النيابة العامة وجهات التحقيق لتحديد الفاعل وشركاؤه . أما جريمة المجتمع فهى تتلخص فى حالة التسيب العامة التي نراها ونشاهدها ونتابعها على كافة المستويات فى الحكومة والمحليات ومواقع الخدمة العامة بل فى المرور والشارع المصري حيث يسعى حماة المجتمع وأعضائه إلى التكسب بأى صورة حتى بما يعاقب عليه القانون ... كم مرة رأيت فيها أيها القارئ العزيز شخص يطلب رشوة سواء أطلق عليها حسنه أو إكرامية أو غيرها ... المشاهد المؤذية أصبحت جزء من النسق العام للمجتمع ولا نرى من يتصدى لها ترى هل هذه قضية منزل وعائلة وتربية ؟ أم هى قضية اقتصادية ؟ أم اجتماعية ؟ أم كلاهما ؟ أم هى قضية حكومة ؟ أم هى قضية حكومات متعاقبة ؟ أم هى قضية سياسات دفعت فئات من المجتمع إلى الاحتياج الشديد وتم تشجيع الوسائل الغير قانونية لتلبية هذا الاحتياج ؟ أعتقد أنه آن الأوان أن نسعى لإنقاذ هوية وكرامة مصر والمصريين من طوفان الرشوة والسرقة والذي يحلله البعض ويضر المجتمع ككل ويهز فيه ركن العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص . فهل أحسست بشعور شاب أو شابة فى مقتبل العمر يعلم أن زميله فى لجنة الامتحان حصل على ورقة الأسئلة قبل دخوله اللجنة بينما هو لم يستطيع ذلك لعدم مقدرته المالية أو لأن أخلاقه تمنعه من الاندراج إلى هذا الطريق . المستقبل يبدأ بتحديد أسس إطار المجتمع ومبادئه ... ولأزال أيماني راسخاً بأننا مجتمع يؤمن بالعدالة الاجتماعية ، علينا محاربة كل من يحاول هدم أسس هذا المجتمع ... وإصلاح أنفسنا ... فلم يمضى الوقت بعد ... وللحديث بقية