جريدة الأخبار – الأربعاء 2 نوفمبر  2003
صانع للتقدم من ماليزيا

مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا هو أسطورة بالنسبة لأبناء بلده وهو نموذج لزعامة اسيوية لها مميزاتها ولها تناقضاتها . وقد استقال أمس الأول من العمل العام والسياسي بعدد 22 عاماً رئيساً للحكومة واعترف جميع المراقبين من العالم من اختلف ومن اتفق – أنه اضاف لتقدم ماليزيا تقنياً وانتقل بها من عهد تعتمد فيه على الزراعة الى عهد تسعى لكي تكون دولة متقدمة من عام 2020 وقد وضعت ماليزيا لذلك رؤية شهيرة تسمى 2020 وتسعى جادة لتنفيذها لأكثر من عشر سنوات .

وفي عهده تحولت ماليزيا من اقتصاد مركزي حاكم إلى اقتصاد " شبة حر" يحاكي العصر ولكن بمعطيات وطنية وقد أضاف مهاتير تقدماً في مجالات عدة منها أولاً : إعادة بعث القدرة الماليزية للشعب تعليماً وتدريباً وعلماً وبحثاً لبناء عقل باحث ومطوع ومطور ، ثانياً : وضع أسس دولة متقدمة تكنولوجيا في جميع المجالات ، ثالثاً : تحقيق الترابط بين التنمية التكنولوجية والتنمية الاقتصادية ، رابعاً : وضع خطة وبرامج وخطة طريق " نفذت " وسياسة قومية " تتطور" وتتغير ايجابياً مع الزمن .

وكانت الخطط الماليزية المركزية توضع كل 4 سنوات في مجلدات ضخمة كما أطلعني أحد مساعديه طول هذه الفترة وتحولت إلى خطط أو رؤى تأشيرية و"ورق أقل" . وفي الثمانينات كان التركيز على تحويل المجتمع الزراعي الى مجتمع صناعي وفي التسعينات على تحويل المجتمع الى مجتمع تقني للعلوم والتكنولوجيا والمعلومات بالتركيز على زيادة الإنتاجية في كل قطاعات الدولة وعلى التنمية المتجانسة الاقتصادية والاجتماعية والتحول الى اقتصاد يبني على تطوير الإنتاجية والتنافسية . وفي هذا الشأن : (1) تم بناء بنية تكنولوجية صناعية " تجميعية أولاً ثم ابداعية ثانياً "، (2) تم بناء بنية اتصالات ومعلومات في كل انحاء البلاد ، (3) بناء جامعات تقنية وعلمية جامعات مشتركة مع كبرى جامعات العالم منها الـ MIT ،(4) ارسال بعثات مكثفة لأفضل الجامعات في العالم ، (5) تطوير الإدارة التكنولوجية " الحكومية والخاصة " ،(6) بناء هيئة استشارية تكنولوجية،(7) تخطيط وتنفيذ وادي للتكنولوجيا المتعددة - Multi Media Corridor - ،(8) تشجيع ومشاركة القطاع الخاص في تنفيذ برنامج التقدم ، (9) مبادرات قطاعية في الزراعة والصحة والمعلومات والفضاء والصناعة ... وغيرها. (10) توفير التمويل وتشجيع الاستثمار التقني .

وحدثت نقلات جوهرية في الصناعة والتقنية الماليزية فعلى وجه المثال تم تصنيع سيارة ماليزية 100% " بعد فترات من تطبيق سياسات التجميع " وأصبحت ماليزيا تصدر المكونات بالإضافة الى سيارات الركوب والنقل والموتسيكلات بل سيارات السباق والإنسان الآلي والحاسبات والأجهزة الالكترونية وبالمثل حدثت نقلة نوعية في صناعة الطائرات حيث يتم تصنيع مشترك لطائرات صغيرة وبرنامج طموح لتصنيع الطائرات والمشاركة ببرنامج للأقمار الصناعية وبالمثل قد حدث نقلة نوعية لتصميم وتنفيذ الطريق السريع المتعدد الوسائط وكذا العاصمة الإدارية الذكية بوتراجايا والتي عقد فيها المؤتمر الاسلامي الأخير وغيرها من النقلات وكان آخرها مدينة للتقدم Invert Qjaya حيث احتضن عدداً من العلماء من دول العالم الإسلامي في معمل هو الأكبر من نوعه بتمويل مبدئي قدرة مائة وخمسون مليون دولار تمت فيه اختراعات جديدة منها أول وقود للسيارات من المعادن . لقد أثبت مهاتير : (1) أن توظيف التكنولوجيا يمكن أن يساعد في تحقيق النقلة النوعية للاسراع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع . (2) ان لا حدود لقدرة الإنسان إذا ما شجع وتعلم . (3) أنه يمكن نقل دولة من التخلف الى مشارف التقدم . (4) أن دخل الفرد الآن أضعاف ما كان من عشرين عاماً ... لقد ترك مهاتير منصبة طواعية إيماناً بالتواصل ولكنه ترك أيضاً حوارات ساخنة حول ملفات اختلف عليه الكثيرون معه مثل الديمقراطية "داخلياً" وخارجياً أرائه في الغرب والإرهاب والعالم الجديد والعلاقات بين دولة .. وداعاً لرجل اخلص لبلده وقضيته ... بإجماع بلده والعالم هو صانع للتقدم لماليزيا