جريدة الأخبار – الأربعاء 1 أكتوبر
2008 صندوق العشوائيات (1)
إتخذت مصر خطوة ايجابية الأسبوع الماضى حين اصدر مجلس الوزراء قرارا بإنشاء صندوق للعشوائيات بـ 500 مليون جنية مصرى (خمسمائة مليون جنية) والهدف الذى اعلن لانشاء الصندوق هو حصر المناطق العشوائية وتطويرها وتنميتها ووضع الخطط اللازمة لتخطيطها عمرانيا مع اعطاء الاولوية للمناطق الخطرة والغير آمنة . وأشار القرار ايضا ان الصندوق يختص بوضع السياسة العامة لتطوير وتنمية العشوائيات ، وحصر المنشآت والوحدات المقامة فى المناطق غير الآمنة ، ووضع الخطط لازالة المبانى الموجودة فى العشوائيات التى لا تتوافر فيها اشتراطات الأمان والسلامة . وتوفير اماكن ايواء لمن يتقرر اخلاؤهم ، والعمل على حصول مواطنى هذه المناطق على قروض ميسرة بل واعداد التقارير الفنية المتخصصة اللازمة لتنمية وتطوير المناطق غير الآمنة . وفهمى لمضمون قرار مجلس الوزراء التاريخى والذى تأخر 15 عاما على الأقل انه يحدد اولا : القيام باعداد خريطة معلومات محدثة ودقيقة للعشوائيات ، وثانيا: تحديد مناطق الخطر فيها (بالضوء الأحمر) ، وثالثا : وضع خطط عمرانية حضارية لاعادة التوطين بدءا من المناطق الخطرة ، ورابعا : توفير تمويل للاقراض الميسر لسكان المناطق العشوائية ، وخامسا : وضع خطط الحكومة للتدخل ولإزالة كل ما هو ليس آمن . وقد أشار القرار أن ادارة الصندوق مجلس ادارة حكومى فى الغالبية برئاسة وزير الادارة المحلية وممثلى خمس وزارات وثلاث محافظين (اجمالى عشر حكوميين) وممثلى للمجتمع المدنى وآخر لقطاع الاعمال والجمعيات الأهلية (ثلاثة اعضاء) . وأتفق مع اهداف الصندوق تماما ولكنى اختلف مع بعض عناصر ومكونات الصندوق واقترح(بإيجابية)ما يلى اولا : رأس المال الصندوق متواضع جدا بالنسبه للحد الادنى لحجم المشكلة حيث اعلنت الحكومة أنه 500 مليون جنية وهى لا تكفى لبناء خمسة الآف وحدة كل منها قيمته مائة الف جنية وبأسعار اليوم للبناء فى حدود أو أقل من 2... جنية (شاملا الأرض والبنية الاساسية والمرافق بما فيها المياة والكهرباء والصرف الصحى) . وثانيا : من حيث المفهوم أن يخرج مفهوم الصندوق عن مفاهيم الصناديق التقليدية الحكومية لتمويل بنود بناء مساكن أو مصروفات يتم اعادة الحصول عليها (من خلال اقراض) بمفهوم الصناديق الدوارة الى مفهوم صندوق مفتوح (للاستثمار لفقراء مصر من سكان العشوائيات) يكون نصيب الحكومة فيه 10 الى 20% ويتم استثماره فى تحقيق نفس الاهداف وفق أسس اقتصادية وأن تقوم الحكومة بتحمل عبء التمويل للفقراء وهو الفرق بين تكلفة المال وقدرة الفقير على سداد قيمة الوحدة . وفى حالة تطبيق هذا المفهوم فإن الصندوق المنشود سيصل حجمه الى خمسة مليارات اذا اكتفت الحكومة بالخمسمائة مليون جنية وعشرة مليارات اذا ارادت ان تساهم بمليار جنية ومضاعفات ذلك فى حالة الزيادة . وفى رأى ان حجم الصندوق يجب تحديده فور تحديد حجم المشكلة الحالية هل هو 500 مليون جنية أم خمسة أم عشرة بلايين ... وثالثا : إطار الصندوق تحدد بإدارة حكومية وأنا أقترح ان يكون للصندوق مجلس امناء برئاسة السيد وزير الادارة المحلية كما هو مقترح حاليا (لادارته) أما الادارة فيجب أن تكون متخصصة للغاية فى الاستثمار والتنمية العمرانية المتكاملة . ورابعا : من الذى سيدفع الثمن ؟ هل هى الحكومة أم المواطن الغير قادر ... لا توجد حكومة تستطيع أن تتحمل حل قضية العشوائيات أو توفير مساكن لشعوبها (فقد سقطت كل النظريات الاشتراكية بل وكل التجارب لإحلال الدولة كمسئولة عن كل مواطن) ومن جهة اخرى لا يستطيع فرد ومواطن غير قادر وفقير ان يقوم بسداد ثمن شقة قيمتها الحقيقية مائة الف جنية على الأقل ... فما هو الحل ؟ هناك طريقين الموضوعى فيهم هو حول مفهوم وسياسة وبرامج ومشروعات تمكين الفقراء ... أى تحول سكان العشوائيات من غير قادرين الى قادرين ومنتجين ... ومن حسن الحظ أن منهم من يكسب ويعمل ولهم تصلح آليات الاقراض والتمويل العقارى (الشعبى) على أن تتحمل الدولة جزء من تكلفة التمويل . ولكن هناك من يحتاج للعون وللدولة دور كبير فى تمكين الفقراء للعمل والكسب أما الجزء القليل الغير قادر فيتحمله المجتمع (دولة وقطاع اعمال ومجتمع مدنى) بإسلوب مخطط ومنظم وليس عشوائى وهذه ضريبة اجتماعية ... ما نحتاجه فى هذا هو تغيير فى الفلسفة العامة من تشجيع الاستجداء (والشحاذة) ومظهرية الصدقات الى تشجيع العمل والصدقة والزكاة (الحقيقية) ... اعطوا المواطن سنارة للصيد وفرصة للعمل افضل من اعطائهم بقايا الطعام أو ان نعد جزء منهم ببعض المساكن ... الصندوق خطوة ايجابية جذرية فلنستثمره لمواجهة تحدى العشوائيات ... وللحديث بقية