جريدة الأخبار – الأربعاء 12 مارس
2014 أسوان ... ورسالة لمشروع الحضارة
رأيت في أسوان نموذج لبناة ولبناء حضارة جديدة ... شاهدت مثالا رائدا لمشروع البناء والتقدم من منظور الثقافة والفن ... رأيت نموذج لمصر كما يجب أن تكون روحا وعملا ... شاهدت مشروع بدأ بفكرة ثم حلم وأصبح الآن حقيقة وإنجاز . الفكرة بدأت منذ أكثر من 19 عاما لعمل سيمبوزيوم للنحت بأسوان قاده عبر الزمن الفنان المبدع آدم حنين "الأستاذ والمعلم والرمز" ... سيمبوزيوم أسوان الدولي للنحت هو تجمع لمجموعة من النحاتين من مصر والعالم من الرواد الجدد يكون عددهم من 10 إلي 15 فنانا تقريبا يقومون بتنفيذ أعمال نحتية كبيرة ومتوسطة يقيموا لمدة أكثر من ستة أسابيع تبدأ في يناير وتنتهي في مارس بإنتاج يتم إهداؤه لمصر ... يتم استضافة الفنانين في فندق وورشة عمل ويتبرع كل فنان بوقته وإنتاجه ... وكان من الأفكار الأولية هو أن يتم تجميل الميادين الرئيسية بمحافظات مصر وأولهم محافظة أسوان ... ولكن نتيجة تراكم وتميز الأعمال عبر السنوات الأولي ولد حلم المتحف المفتوح وتم اختيار جبل مرتفع تحول عبر السنوات إلي موقعا به أكبر وأجمل أعمال نحتية في العالم من الجرانيت رمز الحضارة المصرية ... ورأيت المتحف منذ سنوات مع العملاق الكبير آدم حنين والفنان الدكتور المعماري أكرم المجدوب والحاصل لمصر علي الجائزة الأولي في بينالي فينسيا ... أري في كل منهم رموز للإخلاص والعطاء والفن والوطنية والتواضع الكبير ... وأذكر أنه أنني عشت منذ خمسة أعوام حديثا حول حلمهم بتحويل الجبل وسطحه إلي متحفا له طريق ومزارات وحجرات ومسرح وقمة ووادي ... وبعد أكثر من خمسة سنوات عدت لزيارة المتحف المفتوح لمتابعة نتاج العام ... ففوجئت بفرقة من 50 أسوانيا في سفح الجبل فوق مسرح هي عدة سلالم ومجموعة أعلي الجبل من عشرة عازفين ومطرب ومجموعة تخرج عملا يكرر كلمة "الصلاة علي النبي" تنشد وتصفق وتغني في تناغم ما يضيف للمكان الصامت أحساسا ومشاعر ودعاء واصرر للحياة والبناء والتقدم ... المشهد استوقفني لأسباب عديدة أولها أحسست بكتيبة من الفنانين والمثقفين تهدي لمصر أول وأكبر متحف مفتوح في العالم ، وثانيا يزيد عدد الأعمال ألكبري فيه عن 250 عملا يمتد علي ثلاث هضبات تري نيل مصر العظيم وتعلن – بلغة الجرانيت – مرة أخري بدء صياغة حضارة عصرية يشكلها الفنان مشاركة في مشروع البناء والتقدم ، وثالثا أحسست بفخر بفريق عمل يتواصل عبر الزمن بدء بآدم حنين ودعم ومشاركة من صلاح مرعي وفاروق حسني وصلاح مصباح وأفتتحه باعتزاز ومؤازرة د/صابر عزب وزير الثقافة ومحمد أبو سعده وخالد جلال يقودون المشاركة في مشروع بناء وتقدم الوطن بلغة الفن والثقافة والسلام والمحبة ، ورابعا أجيال فنيه تتوالد عدديا ، وتتواصل زمنيا ، وتتكامل نحتيا وبيئيا ... وسعدت بما ذكره آدم حنين عن إقبال الأجيال الجديدة علي تعلم النحت في الجامعات (لغة الكتابة للأجداد) وشاهدت ما أضيف لأسوان من عمالة وخبرات ماهرة ، ومن تواجد وتشغيل رمزي للفنادق والانتقال والعمل ، رابعا استمرار العمل عبر 19 عاما في نفس الظروف الصعبة التي نعرفها وتحديها لكل معاول البناء ، وخاصة محاولات الهدم المعنوي والعملي للإرادة المصرية خلال السنوات الثلاثة الماضية سواء بالسياسة أو الإرهاب ، خامسا إحياء لفن الجرانيت المصري مرة أخري بدلا من استنزافه معماريا ، سادسا إعادة تشغيل محاجر أسوان كورش نحت بدلا من توقفها بانتهاء الحضارة القديمة ، سابعا بناء جسر تواصل من فنانين من أنحاء العالم ونجاح لما فشلت فيه السياسة والساسة ، ثامنا بدء الإعداد لتحويل أسوان لمركز عالمي للنحت علي الجرانيت ، تاسعا قيمة العمل الواحد تزيد عن نصف مليون جنية أي أن ما أضيف ماديا لمصر تزيد قيمته عن 150 مليون جنية في عام 2014 بالإضافة إلي ما أضيف حضاريا ويعلن بدء حضارة جديدة تتراكم زمنيا وموضوعيا وتتواصل وتتكامل ، وعاشرا المتحف المفتوح هو إضافة للفنون التي تجسد ضمير الإنسانية ووجدان الشعوب هي هدية ورسالة من أسوان لمشروع البناء والتقدم العصري لمصر ... تحيه لكل من يبني ويعمل ويتفاني لحياة أفضل ومدينة أجمل نموذجا لمشروع الثقافة والفنون حان موعدة لعصر جديد .