جريدة الأخبار – الأربعاء 7 أكتوبر
2001 الموجة الرابعة ... الاعلام والمعلومات
سالتني ابنتي سؤالين هذا العام ولم استطع الاجابة عليهما بما يقنعها ؟ السؤال الاول حينما شاهدت على شاشة التليفزيون وعلى صفحات الجرائد والمجلات طفلا يقتل فى زراع ابيه اسمه محمد الدره، والسؤال الثانى حينما شاهدت كارثة 11 سبتمبر. لما يحدث هذا ؟ ووصلت تداعيات الاحداث وما بينها نتيجة ما ينقله الاعلام الجديد فى عشرات المحطات من كل دولة ويخترق كل منزل الى قلق و بل كابوس متصل. واذا كانت ثورة المعلومات والاتصالات والإعلام هى ما فرح به العالم كانجاز تصور انه يضيف الى الحضارة " وموجة ثالثة" وتتحول فيه القري التقليدية الى ما سمي قري كونية فانها قد فشلت الى الان فى تحقيق ما يمكن ان نسميه " المنزل الكوني" الاعلام وفيض المعلومات يخترق حياة كل اسرة على الارض اليوم.
واذا كان حدث 11 سبتمبر قد تسبب فيما اسميه " الموجه الرابعة" لعالم مختلف وسيختلف عما قبله فان شبكات الاعلام ووسائل تقوم بخلق موجة عارمة تشبه بالزلازل والبراكين الانسانية عبر الحدود ويتغير دور الإعلام التقليدي من نقل الخبر وتحليله الى دور أكثر خطورة فى خلق رأي عام وتوجيهه وتعبئته بقصد او بدون قصد ما يحدث يصنع مزيدا من الموجات والزلازل والبراكين . وقد حدث ذلك وضاحا من اختيار احدي شبكات الاعلام العالمية لعنوان " حرب على امريكا " ثم " امريكا فى حرب" منذ 11 سبتمبر حتى اليوم، واثار هذا على تعبئة الرأى العام بفيضان من المعلومات الكاملة احيانا والمحدودة فى كثير من الاحيان . المعلومات المرئية من الخطورة بمكان الى انها تخلق رأي عام مع او ضد عاقل او غير عاقل متهور او متزن، محارب أو مسالم..
ولدينا فى التاريخ الإعلام السلبي فى تعبئة الشعوب مثل ما حدث فى المانيا فى الحرب العالمية الثانية، وما حدث فى مراحل ما قبل نكسة 1967 ، وما حدث فى دول المعسكر الاشتراكي بعد الحرب ، ولدينا امثلة للاعلام الايجابى المصري مثل ما حدث فى حرب 1973 وما حدث ويحدث لدور الحكيم الذى يقوم به رئيس مصر " وحده " حسني مبارك فى الاحداث الجارية الآن.
وما يحدث الان هو – من البعض – مثار لتساؤلات حول جدوي الانفعال الاعلامي وموقع العقلانية الاعلامية على خريطة العالم الجديد وقد استوقفنى استقصاء للراى العام " حوالى 1000 شخص " قامت به النيويورك تايمز ونقلته الهيرالدتيربيون عنها يوم 17 سبتمبر وشمل الاسئلة التالية بعنوان " من يدفع الثمن" : (1) هل يجب ان نأخذ الولايات المتحدة خطوات عسكرية ضد المتسبب فى الهجوم ؟ 85% اجابوا نعم ، 6% اعترضوا ، ولم يقرروا حوالى 8% 0 (2) ثم تم سؤال الذين اجابوا نعم عن رايهم اذا نتج عــن ذلك قتل الابرياء ؟ فأجاب 75 % بتاكيد موافقتهم ، 16 % برفضهم ولم يحدد 9 % موقفهم. (3) وسؤال بعد ذلك الذين قالوا نعم للحرب ختى لو قتل ابرياء عن موقفهم فى حالتين. (أ) لو ادي ذلك للحـرب مع دول ترعى المسئولين عـن الهجوم ؟ فاجاب 98 % بالموافقة ، (ب) لو ادي ذلك الى الاف من القتلـى المدنيــين الابرياء ؟ فوافــق 89 % ايضا على هذا.
وذكرني هذا باستقصاء اخر توج فيه الرأي العام الامريكي رئيسها بوش الاب فى حرب الخليج لادائه السياسي الدولى والمحلي والعسكري ثم اسقطه نفس المجتمع امام منافسه الشاب حينذاك بيل كلينتون لتدهور ملفه الاقتصادي ، الشعوب تتفاعل مع احداث العالم نتيجة ثورة الاعلام والمعلومات فى كل منزل وثبت ان دور الاعلام فى غاية القوة فى التاثير على الرأي العام بل وتوجيهه، وان قراءة المعلومات هامة للتعرف على اتجاهات الرأي العام ومطلوبة للتعرف كيف نبدا الحوار، وانه لابد من الحوار المتصل والعمل على توجيه المجتمعات نحو المبادئ التى اتفق المجتمع العالمي عليها.
الموجة الرابعة.. العالم ما بعد 11 سبتمبر تتطلب قراءة للمعلومات يومية سياسية واقتصادية واجتماعية دورا اكثر اتزانا للاعلام العالمي ومعلومات اكثر دقة لمن يعمل بها وعلاقات اكثر ترابطا مع القائمين عليها وتعاونا اكثر وتشابكا بين مؤسساتها وميثاق ادق صياغة لغرس مبادئ المجتمع الدولى عملا وقولا واثيرا. فى عالم يسكنه 6000 مليون من البشر دور الاعلام هام للغاية فى حفز الطاقات البشرية ايجابيا للامام او زرع الياس والكراهية والظلم ودوى الموسيقات العسكرية لاجيال تحلم بسلام والعمل والحياة واسرة وابتسامة وضحكة لاطفالنا.. نريد اعلاما يصنع عالما جديدا ويوجه الموجة الرابعة لخير الانسانية، ومطلوب من العرب التكاتف لحوار واعلام يخاطب عالميا ويقنع ويحجم الانفعالات ويتجاوز النكسات ويحارب الانقسام والتطرف سواء الغربي او الشرقى .