جريدة الأخبار – الأربعاء 8 أغسطس
2004 فجوات التحول : درس من الصين
قرأت صباح الاثنين 2 اغسطس 2004 خبراً في جريدة الهيرالدتيربيون في صفحتها الأولى شد انتباهي عن نهاية حياة تلميذ عمره 18 عاماً بسبب 80 دولاراً على الرغم مما يحدث في الصين من قفزات اقتصادية وتتلخص حكاية التلميذ في أنه كان يرغب في الدخول للجامعة ولكنه انتحر قبل الامتحان بثلاثة أيام لعدم قدرته عن دفع مصاريف الامتحان والتي تساوي 80 دولاراً (حوالي خمسمائة جنية ) وقد حاول التلميذ مع مدرسته الا أنه لم يتمكن من ايجاد حل وجرحت كرامته كلما كان يسأل على دفع المصاريف أمام زملائه واسودت الدنيا أمامه وفي آخر يوم أهانه أحد الأساتذة بسبب عدم سداد المصاريف ... وبكى التلميذ وحاول زملاؤه مساعدته بأن يتبرع ببيع دمه وللحصول على مقابل يساعد صديقه ... وتزداد الدراما المرتبطة بهذه القضية حيث أنه من أسرة كانت قادرة حتى فقد عائلها القدرة على كفاية احتياجات اسرته نتيجة لمرض الام والاحتياج الى كل قرش لسداد تكاليف العلاج والدواء حيث لا يوجد تأمين صحي في الريف الصيني إذا ما قورن بسكان المدن الصينية . وعلى الرغم من ان الصين وتحولها يعد أحد المعجزات الاقتصادية المعاصرة وهي صاحبة أكبر معدل نمو اقتصادي في دول العالم خلال العشرين عاماً الماضية ولكن الفاقد والعائد من هذا التحول كان للبعض وليس للكل .
وينفرد سكان المدن بنصيب الأسد من هذا العائد بينما يحرم ابناء الريف من الدخول للمدن والعيش فيها والعمل بها والتعليم فيها الا في أضيق الحدود ومن خلال امتحــان عـام (البكالوريا) ويصل عدد الفقراء في الصين الى 85 مليون فقير . والفقير هو الذي دخله 75 دولاراً مقارنة بمتوسط دخل الفرد 253 دولاراً في عام 2002 وأشارت المقالة الى ازدواجية ما تقوم به حكومة الصين من خلال سياساتها التي أدت الى وجود طبقتين بين الحضر والريف ويفتخر النظام الصيني بما قام به لتحويل وانتشال اكثر من 750 مليوناً من سكان الريف من الفقر التقليدي الا أن هناك من يشير الى أن البناء المذهل للمناطق الصناعية والمراكز المالية والاقتصادية في الصين قد ترك وراءه في اطار النسيان والتخلف فقراء لا حول لهم ولا قوة وتفاصيل القصة يمكن الحصول عليها من الانترنت الا أن هناك بعض الملاحظات والتساؤلات منها : (1) ان هناك ثمناً للتحولات الاقتصادية حتى في التجربة الصينية والتي يعتبرها الكثيرون احدى المعجزات الاقتصادية المعاصرة . (2) ان ثمن هذا التحول يتم دفعه بقطاعات في ذات المجتمع ويختلف من يدفع حسب السياسات المطبقة وهم أهل الريف او الفقراء جداً أو الطبقة المتوسطة وهناك دروس كثيرة من الهند وبعض الدول الأسيوية والأفريقية . (3) ان في كثير من التجارب ذات البريق مثل الهند والصين وغيرها هناك جانب آخر اجتماعي يجب التعرف عليه بدقة اكثر . (4) ان القدرة الاقتصادية للفرد والعائلة تؤثر تأثيراً مباشراً على دخول الفرد كمشارك في نتاج هذا المجتمع . (5) ان الحرمان من التعلم في أي مرحلة من مراحل العمر للشباب هو تحدي تواجهه المجتمعات " ذات التحول " .(6) أن الحرمان من التعلم أو من الانترنت أو من الكتاب أو من الرياضة هو حرمان جيل من أمل الدخول لعصر المعرفة وهو تحدي تواجهه مجتمعات يصل تعدادها الى أكثر من أربعة بلايين نسمة هم من فقراء الدول في عالمنا المعاصر .
أحمد الله اننا في مصر وفي اكثر من خمسين عاماً كان لدينا الإدراك والوعي بل والتركيز على العدالة الاجتماعية والتوازن في الحقوق الاساسية بين الريف والحضر . ومن جهة اخرى فإن الفجوات التي حدثت وتحدث في عديد من الدول التي تتقدم نتيجة سياسات التحول تشير الى ضرورة مواجهتها قبل أن تتسبب فيما بعد الى ما قد يسمي الانقسام المعرفي أو الرقمي أو الاقتصادي أو الاجتماعي ... وللحديث بقية