جريدة الأخبار – الأربعاء 20 ابريل
2005 عالم يتقدم ويتواصل ... وعالم يتخلف ويغلى
المتابع والمشاهد لما يحدث في العالم يري أننا نعيش تناقضات جوهرية فيما وصل إليه العالم وسكانه عبر الدول والسياسات والإيديولوجيات والتكنولوجيات والعقائد والمعتقدات. فأين نحن وأين نحن ذاهبون في هذا العالم المتغير فمن جهة هناك عالم يزداد تقدما ويجري ويركض ويقفز وفي مقدمته أمريكا الشمالية "الولايات المتحدة وكندا" وأوروبا واليابان والصين ثم يليه دول مثل الإمارات وماليزيا وتايلاند وسنغافورة ثم دول أمريكا اللاتينية ودول أوروبا الشرقية … هذه الدول تزداد ترابطا وتتحول الي عصر المعرفة – ما بعد التحول الي عصر المعلومات – فهي تستخدم التقنيات في تنمية الموارد وتوظيفها والحصول علي أكبر قيمة مضافة منها سواء كان ذلك موارد طبيعية أو من خلال مؤسسات صناعية أو خدمية وساعد في ذلك إنتشار مذهل وغير مسبوق تكنولوجي للإنترنت وكل ما يرتبط به من حاسبات وإتصالات ونظم معلومات وقواعد بيانات فنجد أن عدد مستخدمي الإنترنت في العالم تطور من 600 مليون في عام 2002 الي 900 مليون في عام 2004 الي 1100 مليون في عام 2007 سيكون منهم 253 مليونا في أمريكا الشمالية في عام 2007 بنسبة 78% للسكان أي من كل مائة مواطن سيكون هناك 78 يستخدمون الإنترنت وفي غرب أوروبا سيصل عدد مستخدمي الإنترنت في عام 2007 الي 197 مليون مستخدم بنسبة 47% الي إجمالي السكان منهم 31 مليونا في فرنسا بنسبة 51% لإجمالي السكان و50 مليون مستخدم بنسبة 60% للسكان في ألمانيا و37 مليون مستخدم بنسبة 47% لإجمالي السكان و7 ملايين مستخدم بنسبة 82% مستخدم لإجمالي السكان في السويد و34 مليون مستخدم للإنترنت بنسبة 56% من إجمالي السكان في المملكة المتحدة أما في اليابان فستصل نسبة مستخدمي الإنترنت الي 74% من السكان وفي كوريا الجنوبية الي 80% من إجمالي السكان … مؤشرات ترابط المجتمعات المتقدمة عديدة وكلها تشير الي قفزات في التكنولوجيا المستخدمة من حاسبات ونظم إتصالات ولكن الأخطر فيها هو في توظيف هذه التكنولوجيا الي إنتاج وإنتاجية ، والي خدمات متميزة ، والي تعليم وتدريب أعمق وأشمل وأكثر جودة وإستيعابا والي تجارة أسرع وهامش ربح ينافس والي تعامل أكفأ مع السوق وخدمة أفضل للمستهلك وإحتياجاته المتجددة والمتغيرة .
وعلي جانب أخر نري عالما آخر في دول الشرق الأوسط وتباينا في تقدمه بين دولة وأخري . نعم هناك تقدم، يجب أن نسجله بكل إنصاف لكل المبادرات التي تبذل لإدخل كل ما هو جديد … ولكن نري أمامنا أيضا تحديات جوهرية تزداد حدتها وخطورتها – في عالمنا العربي – بل وتغطي في معظمها علي متطلبات الإنسان والشعوب في حاضر ومستقبل أفضل، ومن هذه التحديات: أولا: ما يحدث في العالم من قطبية لتوجيه الدول ونظم الحكم والشعوب الي التحول السريع وفي بعض الأحيان المتسرع سواء من خارج أو داخل هذه المجتمعات لغرس نظم سياسية أكثر نمطية – غربيا – بدلا من النظم السياسية المتوافقة أو الحالية، ثانيا: أحداث العراق وتداعياتها ، ثالثا: الإرهاب، رابعا: التراخي المتواصل في حسم الصراع الإسرائيلي – الفلسطينى ، خامسا: عودة أحداث الأغتيال السياسي والإنفجارات مثل ما حدث للقدير الراحل الرئيس رفيق الحريري وللبنان من فراغ سياسي ، وسابعا: ما يحدث في السودان ودارفور، وثامنا: نسبة الفقر في عالمنا العربي ، وتاسعا: البطالة، وعاشرا: غياب العدل والعدالة … والأمن والأمان للمواطن في عدد من الدول العربية … وغيرها من قائمة تحديات الحاضر، كلها تؤثر مباشرة علي تنمية المجتمع العربي والأمن الإقليمي والقومي .. كيف يمكن الحديث عن مجتمع المعلومات والمعرفة في وسط هذا الضجيج والغليان، ما تنقله الفضائيات من أحداث تنقل يوميا لمشاهد الإنفجارات ودماء لشباب وأطفال؟ وما يطرح من دعوات المزايدين من الخارج والداخل في كل القضايا … مرة بدعوات الإصلاح وأخري بالتلوين والبريق … يضاف الي ذلك الشعور بغياب الأمل والذي يغذيه كثيرون من المرتزقة الجدد والقدامي … سؤالي كيف ندعو للتقدم ودرجة غليان المجتمع تزداد يوما بعد يوم؟ لعل أهم من كل شئ العودة الي الهدوء والعقلانية كي نستطيع أن نحدد ماذا نريد لحاضرنا ولمستقبلنا … إقتصاديا وإجتماعيا بل ولأمننا القومي . بين العالمين العالم الذي يتقدم، والعالم الذي نعيش فيه فجوات إقتصادية وإجتماعية عشنا نسعي لحلها يصاحبها درجة غليان للمجتمع نعيشها تمثل مانعا للتفكير الرشيد لقراءة الواقع والتقدم للمستقبل … علينا أن نهدئ – بل ونسيطر علي – الإنفعالات والضجيج والإنفجارات والدماء كي نستطيع أن نعيش ونفكر ونتقدم … وللحديث بقية