جريدة الأخبار – الأربعاء 6 أغسطس
2008 قمة الشعوب ... وشعوب القمة (4)
شعوب القمة هى الشعوب الأكثر تقدما والأكثر تحضرا . هى الشعوب التى تعيش فى أكثر عشر دول متقدمة اقتصاديا بقياس متوسط دخل الفرد ، واجتماعيا بمستوى تعليم ورعاية صحية وثقافية لا تقل عن ذلك . شعوب القمة هى الشعوب التى يتلاشى فيها الفقر ولا تشعر فيها بالتباين المادى الحاد بين الطبقات . شعوب القمة هى الشعوب التى تسعى للسلام وتنبذ الحروب والانشقاقات ، والتى تنشر ثقافة السلام والتحضر والالتزام والاحترام والحوار والتواصل وتقدير الآخر ... شعوب القمة الحالية منها سويسرا والدول الاسكندنافيه وسنغافورا ويليها عدد من الدول الاوروبية وكندا ... وسؤالى هل ممكن لدول جنوب المتوسط - ومنها مصر - الانتقال مما هى فيه الى شعوب القمة ؟
فى عدة مقالات سابقة اشرت الى اهمية لقاء وقمة باريس فى منتصف يوليو الماضى - والذى اعتبره اهم حدث لهذا العام - ليس لكون لقاء جمع بين رؤساء 42 دولة اوروبية وعشرة دول – ما عدا ليبيا – من جنوب المتوسط ، ولكن لانه اتاح ولاول مرة فرصة جديدة – قد تكون تاريخية فى نظرى – للانتقال السلمى لشعوب الجنوب مما هى فيه من احوال وتحديات وصراعات الى طريق جديد قد يكون أهم واخطر ما اتيح لها منذ مبادرة الرئيس السادات للسلام وزيارته التاريخية للقدس ... وهذة المبادرة – والتى يشارك الرئيس حسنى مبارك فى رئاستها - تختلف عما سبقها للعديد من المبادرات التى عرضت خلال أكثر من نصف قرن فى كونها اولا : تبدأ بمفهوم المشاركة ، وثانيا : تؤكد على التساوى والتكافؤ فى القيادة ، وثالثا : فى اطارها التنموى ، ورابعا: فى ترسيخ التعاون بين الشمال والجنوب ، وخامسا: فى احترام خصوصيات الدول ، وسادسا : فى التواصل مع جذور التعاون والمبادرات والعلاقات المعاصرة والتاريخية ، وسابعا : فى الدعوة لرؤية جديدة لنقلة نوعية ، وثامنا : فى اقليمية التوجه ، وتاسعا : ببرامــج وآليات اقليمية ، وعاشرا: فى الرئاسة الفرنسية المصرية لاولى دوراتها . والسؤال الحاكم هو أين ستكون دول جنوب المتوسـط فى عام 2020 ؟ وفى عام 2030 ؟ هل سنكون فى حالة افضل أم اسوأ ؟ ... لقد دعا الرئيس حسنى مبارك فى كلمته امام لقاء باريس الى تقليل الفجوة الاقتصادية والاجتماعية بين الشمال والجنوب بنسبه 50% حتى عام 2030 ؟ وبنسبه 80% حتى عام 2050 ؟ وقد يذكر ابناء المتوسط تاريخيا أن دعوته لصياغة رؤية تصل بجنوب المتوسط الى هذة الاهداف هى نقطة تحول فى تاريخ وتوجه شعوب الجنوب من الفقر والبطالة والجوع والطوابير ، والتناحر والانشقاق والخلاف والحروب ، والارهاب والعنف والهجرة والفساد الى التقدم والتنمية والسلام والرخاء . وقد اشرت فى المقالات السابقة الى الاتحاد من اجل المتوسط كإطار والى محاور السكان والعمل والتعليم . وفى اطار دعوة الرئيس مبارك بوصفه الرئيس المشارك للاتحاد من اجل المتوسط أرى لزاما علينا السعى للاجابة على تحدى كيف ستعيش 379 مليون نسمة فى عام 2030 بزيادة قدرها 107 مليون نسمة عما وصلنا له الآن وهو 272 مليون نسمة فى عام 2008 . وببساطة – وليس بتبسيط – المائة مليون نسمة فى العشرين عاما القادمة ستحتاج عشرين مليون مسكن بفرض ان متوسط الاسرة خمسة افراد . واذا كان المسكن يتكلف 50 الف دولار فى حدة الادنى (شاملا البنية الاساسية) فاننا نحتاج الى تريليون دولار لاسكان من سيولد من جديد فقط ولا يشمل ذلك من يحتاج مساكن اليوم ... تقريبا سنحتاج 200 مدينة سعة كل منها نصف مليون نسمة أو مائة مدينة سعة كل منها مليون نسمة ... فهل للجنوب خطة تأشيرية للتعمير واستيعاب الزيادة العددية للسكان ؟؟؟ ... ما بين ما يحدث فى دول الجنوب وما نحتاجه للانتقال بشعوبنا للقمة هناك فجوة كبيرة فى الرؤية وفى أطر التنمية وفى التنفيذ ... الدعوة للاتحاد من اجل المتوسط قد تتيح لنا فرصة الانتقال بمدننا ومساكننا وطرقها وشوارعها الى التعمير والاسكان بمفهوم التقدم ... تحديد الفرق ما بين ما نحن فيه وما نتابعة اوروبيا هى الفجوة لبداية صياغة الطريق للقمة ... وللحديث بقية